فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله: {أفرأيت الذي كفر} الآية الفاء في قوله: {أفرأيت} عاطفة بعد ألف الأستفهام وهي عاطفة جملة على جملة، و{الذي كفر} يعني به العاصي بن وائل السمهي، قاله جمهور المفسرين، وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قينًا في الجاهلية فعمل له عملًا واجتمع له عنده فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أنصفك حتى تكفر بمحمد، فقال خباب: لا أكفر بمحمد حتى يمييتك الله ثم يبعثك، قال العاصي: أو مبعوث أنا بعد الموت؟ قال خباب نعم، قال: فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك، فنزلت الآية في ذلك، وقال الحسن نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي وقد كانت للوليد أيضًا أقوال تشبه هذا الغرض، وقرأ ابن كثير وابو عمرو {وولَدًا} على معنى اسم الجنس بفتح الواو واللام وكذلك في سائر ما في القرآن إلا في سورة نوح {ماله وولده} [نوح: 21] فإنما قرأ بضم الواو وسكون اللام، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كل القرآن، وقرأ حمزة والكسائي: {ووُلْدًا} بضم الواو وسكون اللام وكذلك في جميع القرآن، وقرأ ابن مسعود {وِلْدًا} بكسر الواو وسكون اللام، واختلف مع ضم الواو فقال بعضهم: هو جمع ولد كأسد وأسد، واحتجوا بقول الشاعر: مجزوء الكامل:
فلقد رأيت معاشرًا ** قد ثمروا مالًا وولدًا

وقال بعضهم هو بمعنى الولد واحتجوا بقول الشاعر: الطويل:
فليت فلانًا كان في بطن أمه ** وليت فلانًا كان ولد حمار

قال أبو علي في قراءة حمزة والكسائي ما كان منه مفردًا قصد به المفرد، وما كان منه جمعًا قصد الجمع، وقال الأخفش: الولد الابن والابنة، والولد الأهل والوالد وقال غيره: والولد بطن الذي هو منه، حكاه أبو علي في الحجة، وقوله: {أطلع الغيب} توقيف والألف للاستفهام وحذفت ألف الوصل للاستغاء عنها، واتخاذ العهد معناه بالإيمان والأعمال الصالحة، و{كلا} زجر ورد، ثم أخبر تعالى أن قول هذا الكافر سيكتب على معنى حفظه عليه ومعاقبته به. وقرأ {سنكتب} بالنون أبو عمرو والحسن وعيسى، وقرأ عاصم والأعمش: {سيُكتب} بياء مضمومة، ومد العذاب هو إطالته وتعظيمه وقوله: {ما يقول} أي هذه الأشياء التي سمى أنه يؤتاها في الآخرة يرث الله ما له منها في الدنيا فإهلاكه وتركه لها، فالوراثة مستعارة ويحتمل أن يكون خيبته في الآخرة كوراثة ما أمل. وفي حرف ابن مسعود {ونرثه ما عنده}، وقال النحاس {نرثه ما يقول} معناه نحفظه عليه لنعاقبه، ومنه قول النبي عليه السلام «العلماء ورثة الأنبياء» أي حفظة ما قالوا فكأن هذا المجرم يورث هذا المقالة. وقوله: {فردًا} يتضمن ذلته وقلة انتصاره.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)}.
اتخذ افتعل من أخذ لكنه يتضمن إعدادًا من المتخذ وليس ذلك في أخذ، والضمير في {اتخذوا} لعبادة الأوثان والآلهة الأصنام، وكل ما عبد من دون الله، ومعنى قوله: {عزًا} العموم في النصرة والمنفعة وغير ذلك من وجوه الخير، وقوله: {كلا} زجر، وردع، وهذا المعنى لازم ل {كلا} فإن كان القول المردود منصوصًا عليه بأن المعنى، وإن لم يكن منصوصًا عليه فلابد من أمر مردود يتضمنه القول كقوله عز وجل {كلا إن الإنسان ليطغى} [العلق: 6] فإن قوله: {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5] يتضمن مع ما قبله أن الإنسان يزعم من نفسه ويرى أن له حولًا ما ولا يتفكر جدًا في أن الله علمه ما لم يعلم وأنعم عليه بذلك وإلا كان معمور جهل، وقرأ الجمهور: {كلا} على ما فسرناه، وقرأ أبو نهيك {كَلًا} بفتح الكاف والتنوين حكاه عنه أبو الفتح وهو نعت ل {آلهة} وحكى عنه أبو عمرو الداني {كُلًا} بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه سيكفرون تقديره يرفضون أو ينكرون أو يجحدون أو نحوه، واختلف المفسرون في الضمير الذي في {سيكفرون} وفي {بعبادتهم} فقالت فرقة: الأول للكفار والثاني للمعبودين والمعنى أنه سيجيء يوم القيامة من الهول على الكفار والشدة ما يدفعهم الى جحد الكفر وعبادة الأوثان، وذلك كقوله تعالى حكاية عنهم {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] وقالت فرقة: الأول للمعبودين والثاني للكفار والمعنى أن الله تعالى يجعل للأصنام حياة تنكر بها ومعها عبادة الكفار وأن يكون لها من ذلك ذنب، وأما المعبود من الملائكة وغيرهم فهذا منهم بين. وقوله: {ضدًا} معناه يجيئهم منهم خلاف ما كانوا أملوه فيؤول ذلك بهم الى ذلة ضد ما أملوه من العز وهذه الصفة عامة، وقال قتادة {ضدًا} معناه قرناء، وقال ابن عباس: معناه أعوانًا، وقال لضحاك: أعداء، وقال ابن زيد: بلاء، وقيل غير هذا مما لفظ القرآن أعم منه وأجمع للمعنى المقصود، والضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد، وحكى الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ {كل} بالرفع ورفعها بالابتداء، وقوله: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين} الآية، الرؤية في الآية رؤية القلب، و{أرسلنا} معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم فكله تسليط وهو مثل قوله نقيض له شيطان وتعديته ب {على} دال على أن تسليط، و{تؤزهم} معناه تغليهم وتحركهم الى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجًا، قال ابن زيد: تشليهم أشلاء ومنه أزيز القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل» وقوله: {فلا تجعل عليهم} أي لا تستبطىء عذابهم وتحب تعجيله، وقوله: {نعد لهم عدًا} أي مدة نعمتهم وقبيح أعمالهم لنصيرهم إلى العذاب إما في الدنيا وإلا ففي الأخرة، قال ابن عباس: نعد أنفاسهم.
قال القاضي أبو محمد: وما تضمنته هذه الألفاظ من الوعيد بعذاب الآخرة هو العامل في قوله: {يوم} ويحتمل أن يعمل فيه لفظ مقدر تقديره واذكر أو احذر ونحو هذا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أفرأيتَ الذي كفر بآياتنا}.
في سبب نزولها قولان:
أحدهما: ما روى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث مسروق عن خبَّاب بن الأرتِّ قال: كنت رجلًا قَيْنًَا أي: حدادًا وكان لي على العاص بن وائل دَيْن، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت، ثم تُبعث. قال: فإني إِذا مِتُّ ثم بُعثت جئتني ولي ثَمَّ مال وولد، فأعطيتك، فنزلت فيه هذه الآية، إِلى قوله تعالى: {فردًا}.
والثاني: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وهذا مروي عن الحسن.
والمفسرون على الأول.
قوله تعالى: {لأُوتَيَنَّ مالًا وولدًا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم، وابن عامر: بفتح الواو. وقرأ حمزة، والكسائي: بضم الواو. وقال الفراء: وهما لغتان، كالعُدم، والعَدم، وليس يجمع، وقيس تجعل الوُلد جمعًا، والوَلد، بفتح الواو، واحدًا.
وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد في الجنة على زعمكم.
والثاني: في الدنيا.
قال ابن الأنباري: وتقدير الآية: أرأيته مصيبًا؟!
قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الغيبَ} قال ابن عباس في رواية: أَعَلِمَ ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو، أم لا؟! وقال في رواية أخرى: أَنَظَر في اللوح المحفوظ؟!
قوله تعالى: {أم اتَّخذ عند الرحمن عهدًا} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أم قال: لا إِله إِلا الله، فأرحمه بها؟! قاله ابن عباس.
والثاني: أم قدَّم عملًا صالحًا، فهو يرجوه؟! قاله قتادة.
والثالث: أم عهد إِليه أنه يدخله الجنة؟! قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {كلاَّ} أي: ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتَى المال والولد.
ويجوز أن يكون معنى {كلاَّ} أي: إِنه لم يطَّلع الغيبَ، ولم يتخذ عند الله عهدًا.
{سنكتب ما يقول} أي: سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيَه به، {ونَمُدُّ له من العذاب مَدًّا} أي: نجعل بعض العذاب على إِثر بعض.
وقرأ أبو العالية الرياحي، وأبو رجاء العطاردي: {سيكتب} {ويرثه} بياء مفتوحة.
قوله تعالى: {ونرثه ما يقول} فيه قولان:
أحدهما: نرثه ما يقول أنه له في الجنة، فنجعله لغيره من المسلمين، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء.
والثاني: نرث ما عنده من المال، والولد، باهلاكنا إِياه، وإِبطال ملكه، وهو مروي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال قتادة.
قال الزجاج: المعنى: سنسلبه المال والولد، ونجعله لغيره.
قوله تعالى: {ويأتينا فردًا} أي: بلا مال ولا ولد.
قوله تعالى: {واتخَذوا من دون الله آلهة}.
يعني: المشركين عابدي الأصنام {ليكونوا لهم عِزًّا} قال الفراء: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة.
قوله تعالى: {كلاَّ} أي: ليس الأمر كما قدَّروا، {سيكفرون} يعني الأصنام بجحد عبادة المشركين، كقوله تعالى: {ما كانوا إِيانا يعبدون} [القصص: 63] لأنها كانت جمادًا لا تعقل العبادة، {ويكونون} يعني: الأصنام {عليهم} يعني: المشركين {ضِدًّا} أي: أعوانًا عليهم في القيامة، يكذِّبونهم ويلعنونهم.
قوله تعالى: {ألم تر أنَّا أرسلنا الشياطين} قال الزجاج: في معنى هذا الإِرسال وجهان.
أحدهما: خلَّينا بين الشياطين وبين الكافرين فلم نعصمهم من القبول منهم.
والثاني: وهو المختار: سَلَّطناهم عليهم، وقيَّضْناهم لهم بكفرهم.
{تَؤُزُّهم أَزًّا} أي: تزعجهم إزعاجًا حتى يركبوا المعاصي.
وقال الفراء: تزعجهم إِلى المعاصي، وتغريهم بها.
قال ابن فارس: يقال: أزَّه على كذا: إِذا أغراه به، وأزَّتْ القِدْر: غَلَتْ.
قوله تعالى: {فلا تعجل عليهم} أي: لا تعجل بطلب عذابهم.
وزعم بعضهم أن هذا منسوخ بآية السيف، وليس بصحيح، {إِنما نَعُدُّ لهم عدًّا} في هذا المعدود ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أنفاسهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال طاووس، ومقاتل.
والثاني: الأيام، والليالي، والشهور، والسنون، والساعات، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أنها أعمالهم، قاله قطرب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا}.
روى الأئمة واللفظ لمسلم عن خباب قال كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد.
قال: فقلت له: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث.
قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد.
قال وكيع: كذا قال الأعمش؛ فنزلت هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} إلى قوله: {ويأتينا فردًا}.
في رواية قال: كنت قَيْنًا في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملًا، فأتيته أتقاضاه. خرجه البخاري أيضًا.
وقال الكلبي ومقاتل: كان خباب قينًا فصاغ للعاص حليًا ثم تقاضاه أجرته، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال خباب: لست بمفارقك حتى تقضيني؛ فقال العاص: يا خباب ما لك؟! ما كنت هكذا، وأن كنت لحسن الطلب. فقال خباب: إني كنت على دينك فأما اليوم فأنا على دين الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضة وحريرًا؟ قال خباب: بلى. قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة استهزاء فوالله لئن كان ما تقول حقًا إني لأقضيك فيها، فوالله لا تكون أنت يا خباب وأصحابك أولى بها مني، فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} يعني العاص بن وائل؛ الآيات.
{أَطَّلَعَ الغيب} قال ابن عباس: أنظر في اللوح المحفوظ؟.
وقال مجاهد: أعلم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟! {أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} قال قتادة والثوريّ: أي عملًا صالحًا. وقيل: هو التوحيد. وقيل: هو من الوعد. وقال الكلبي: عاهد الله تعالى أن يدخله الجنة.
{كَلاَّ} ردٌّ عليه؛ أي لم يكن ذلك؛ لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهدًا، وتم الكلام عند قوله: {كَلاَّ}.
وقال الحسن: إن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة.
والأول أصح لأنه مدوّن في الصحاح.
وقرأ حمزة والكسائي {وَوُلْدًا} بضم الواو، والباقون بفتحها.
واختلف في الضم والفتح على وجهين: أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد، يقال وَلد ووُلْد كما يقال عَدَم وعُدْم. وقال الحارث بن حِلِّزة:
ولقد رأيتُ معاشرًا ** قد ثَمَّرُوا مَالًا ووُلْدًَا

وقال آخر:
فليتَ فلانًا كان في بطن أُمِّه ** وليت فلانًا كان وُلْدَ حِمارِ

والثاني: أن قيسًا تجعل الوُلد بالضم جمعًا والولد بالفتح واحدًا.
قال الماوردي: وفي قوله تعالى: {لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} وجهان: أحدهما: أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته؛ قاله الكلبي.